انقسام في الدنمارك حول التورّط العسكري بأزمة مياه الخليج
هل أعجبك الموضوع !!
يبدو أن رقعة النزاع بين إيران من جهة، وبريطانيا إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية من جهة أخرى، الحليفين التقليديين للدنمارك، التي لم تتردد يوماً في المشاركة العسكرية في العراق وأفغانستان وليبيا، بطلب من الحلفاء، تتّجه للتوسع وربما تجر معها هذه المرة أيضاً كوبنهاغن للمشاركة العسكرية في حماية مضيق هرمز، سواء من خلال أفراد أو قطع عسكرية بحرية.
ويوم أمس نقلت وكالة "رويترز" عن دبلوماسيين وصفتهم بالـ"الكبار" في الاتحاد الأوروبي، تأكيدهم أن بريطانيا اقترحت فكرة مهمة بحرية بقيادة أوروبية لضمان أمن الملاحة عبر مضيق هرمز على دبلوماسيين كبار بالاتحاد الأوروبي خلال اجتماعٍ في بروكسل، قائلة إنها لن تشمل الاتحاد أو حلف شمال الأطلسي (الناتو) أو الولايات المتحدة بشكلٍ مباشرٍ.
وعلى الرغم من أنّ وزير خارجية الدنمارك في حكومة يسار الوسط، ييبا كوفود، يرفض التصريح علناً بشأن مطالب الحلفاء الاستعداد لنشر قوات دنماركية، ضمن تحالف غربي بقيادة بريطانية ــ أميركية، وبالأخص حول طلب لندن الذي وصل خلال اليومين الماضيين، غير أنه لم ينفِ بالمقابل اتجاه بلاده نحو هذه العسكرة المتزايدة في مياه الخليج، وهو ما أكدته وزارة الخارجية الدنماركية، اليوم الأربعاء، في تصريحات نقلتها باقتضاب صحيفة "بوليتيكن".
وبحسب ما يرشح سياسياً في كوبنهاغن، فإن "المشاركة الدنماركية ستكون جزءاً من مشاركة أوروبية أوسع، تهدف إلى تأمين حماية عسكرية لسفن وناقلات تجارية تعبر مضيق هرمز".
وأعلنت الدنمارك في أكثر من مناسبة خلال الفترة الماضية، على خلفية التوتر المتصاعد في مياه الخليج، عن تضامنها مع بريطانيا، التي تم احتجاز ناقلة النفط التابعة لها "ستينا إمبيروا"، من قبل "الحرس الثوري" الإيراني، الجمعة الماضي.
وشهد نهاية الأسبوع الماضي اتصالات دبلوماسية، شارك فيها وزراء خارجية آخرين إلى جانب الدنمارك، من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وفنلندا والسويد، علماً أن الأخيرتين ليستا عضوين في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، ما يؤشر إلى الجنوح نحو تشكيل قوة بحرية بالخليج بقيادة أوروبية.
غير أن دخول الدنمارك على خط الأزمة، أثار تحفظ أحزاب عديدة في كوبنهاغن، كما رفضت أحزاب يسارية ومن يسار الوسط، كحزبي "الشعب الاشتراكي" و"راديكال فينسترا"، التعليق على ما يجري تحضيره في مجال المساهمة الدنماركية في التحشيد الغربي في مياه الخليج.
وقال وزير الخارجية الأسبق، عن راديكال فينسترا، مارتن ليدغارد، إنه يفضل "انتظار المزيد من المعلومات والتقارير الاستخباراتية قبل إبداء رأي في شأن مشاركة بلدنا العسكرية".
وغير بعيد عن هذه المواقف، ذهبت مقررة الشؤون الدفاعية في حزب "اللائحة الموحدة اليساري"، إيفا فلوهلوم، إلى اعتبار الدعوة لتأسيس مهمة أوروبية في الخليج "تصعيد للأزمة بين الطرفين الأميركي والإيراني، وهي دعوة سيئة، خصوصاً بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي وتوسيع العقوبات على طهران وقيام الأخيرة بإسقاط طائرة مسيرة أميركية".
ورأت فلوهلوم أن الأمور ذاهبة نحو التصعيد، رغم أن الدنمارك والاتحاد الأوروبي حاولا الاستمرار بدعم الاتفاق النووي، مشدداً في الوقت نفسه على أنه في حال "ذهاب البريطانيين وغيرهم لاستخدام القوة العسكرية، فإن الأمور ستزداد تعقيداً، وتجعل الأمور أكثر خطورة عن السابق".
وتلاحظ فلوهلوم "اختلافاً بين الموقفين الأوروبي والأميركي بشأن التعاطي مع مخاطر هذه المهمة البحرية التي تتزايد الدعوات إليها".
ومن الواضح أن معسكر اليمين المتشدد ويمين الوسط يضغط باتجاه مشاركة الدنمارك إلى جانب دول أوروبية أخرى في إرسال قطع عسكرية بحرية وعسكريين نحو منطقة الخليج.
ومن المثير أيضاً الانقسام الذي يصيب معسكر يمين الوسط الذي حكم حتى الشهر الماضي بعدم المشاركة. فقد شدّد مقرر السياسات الخارجية في حزب رئيس الوزراء السابق فينسترا، لارس لوكا راسموسن، ميكال ينسن، على ضرورة عدم مشاركة الدنمارك في هذا التحالف الذي يعد لتأسيسه.
وقال حينها "فتلك مهمة شرطية لا يجب أن نتحمل مسؤوليتها، فقضية انسياب البواخر التجارية في مياه الخليج مهمة، ولكنها قضية يجب أن يشارك فيها الاتحاد الأوروبي كمجموعة وليس كدول معينة، فنحن لا نرغب أن نكون في أثر (الرئيس الأميركي) دونالد ترامب الذي رفض الاتفاق النووي مع إيران، ما أجج الأزمة في المنطقة".
ويصرّ ينسن على أن "المشاركة في أي تحرك يجب أن تكون جماعية مع الشركاء لاستمرار الاتفاق النووي، وانتهاج الدبلوماسية في هذا الاتجاه هو الأمر الأهم".
ويناقش ساسة كوبنهاغن ما يطلقون عليه "حلولا أخرى" لقضية احتجاز واستهداف السفن والناقلات في الخليج. فرغم تحفظ ميكال ينسن، من يمين الوسط، على المشاركة العسكرية إلا أنه يقترح أن تكون مشاركة بلده جزءا من مشاركة أوروبية بعنوان "الشراكة مع الناتو، وهو أمر قمنا به سابقاً في الحملة ضد القراصنة في القرن الأفريقي، وهو ما يمكن أن يتم في الحالة الخليجية، تعاون في المهام التي تؤمن الإبحار في الاتجاهين مع الإبقاء على الاحتفاظ بالاتفاق النووي مع إيران".
وتصاعدت الأزمة بين إيران وبريطانيا بعدما قامت سلطات جبل طارق بإيقاف ناقلة نفط إيرانية قيل إنها كانت متجهة نحو سورية، اتبعه احتجاز الحرس الثوري الإيراني ناقلة ترفع العلم البريطاني.
رغم أن طهران لا تربط بين حجزها للسفينة البريطانية مع احتجاز سفينتها في جبل طارق، إلا أن الاتجاهين السياسي والإعلامي في أوروبا يربطان الأمرين ببعضهما، معتبرين أن التصرف الإيراني الأخير "عملية انتقام"، ما زاد التوتر والاندفاع الأوروبي للتشدّد أكثر مع طهران.
ليست هناك تعليقات