أخبار الموقع

الاستخبارات والصحافة: صراع يستعر بالدنمارك

هل أعجبك الموضوع !!

يسعى جهاز الاستخبارات الدنماركية، المعروف اختصاراً بـPET، إلى الحصول على حكم ضدّ رئيس تحرير كبرى الصحف الدنماركية، "بوليتيكن"، كريستيان ينسن، بالسجن 4 أشهر وتغريم "دار بوليتيكن ويولاندس بوستن" بـ15 مليون كرونه (نحو 2 مليون يورو). تأتي الملاحقة القضائية من جهاز أمني لصحيفة دنماركية مرموقة على خلفية سجال مستمر منذ عامين بين المستوى الصحافي وهذا الجهاز المتهم بـ"الانغلاق"، بعد قيام مديره السابق، ياكوب شارف، بالتعاون مع صحافي دنماركي، لإصدار كتاب بعنوان "7 سنوات في خدمة الاستخبارات الدنماركية"، في أكتوبر/تشرين الأول 2016. حاول الجهاز الأمني حينها بشتى الطرق منع توزيع الكتاب متذرعاً بعدم تسريب معلومات تضر بـ"النظام العام والأمن القومي والدفاع عن المملكة". حينها استنفرت صحافة الدنمارك بمختلف الاتجاهات لإبداء رفض ازاء محاولات الاستخبارات التدخل في حرية النشر. وتحدّى "دار بوليتيكن ويولاندس بوستن" الذي يصدر الصحيفتين وثالثة شعبية (اكسترابلاديت)، جهاز الأمن فجر 9 أكتوبر/تشرين الأول 2016 بإصدار ملحق كامل في "بوليتيكن" احتوى الكتاب. أثار النشر غضباً أمنياً غير مسبوق في تاريخ علاقة الصحافة بالجهاز الأمني. فالأخير سعى بمحاولات مكثفة، اعتبرتها الصحافة تكميماً للأفواه، إلى إيقاف الإفراج عن الكتاب من خلال استصدار قرار محكمة، قبل مراجعته، خوفاً من احتوائه على "معلومات سرية تضر بالجهاز وتعرض أمن الدنمارك للخطر".



التحدي الذي أبدته مؤسسة صحافية وهي تعد بنشر الكتاب، دفع جهاز الاستخبارات إلى إيقاظ قاضٍ في وقت مبكر من فجر السبت 8 أكتوبر/تشرين الأول 2016 لعقد جلسة طارئة في محكمة كوبنهاغن الابتدائية بدون حضور الصحيفة، وخلال 20 دقيقة أصدرت المحكمة حكماً لمصلحة المخابرات يقضي بوقف نشر الكتاب في أي من صحف "دار بوليتيكن". لم يستطع جهاز الاستخبارات عند الخامسة فجراً إيصال قرار المحكمة عبر منتسبيه إلى الصحيفة، فاختار شرطيين من مخفر قريب ليذهبا منتظرين عند بوابة مؤسسة الصحيفة حتى الساعة 6 صباحاً ليسلما أحد الصحافيين قرار المحكمة، ومن تلك النقطة، أخذت القضية منحى اعتبرته الصحافة خلطاً بين صلاحيات الأمن وصلاحيات إدارة الصحف ورئاسات التحرير. فرغم أن حظر النشر شمل "كل مؤسسة بوليتيكن للصحافة" يبدو أنّ عدم تحديد رئيس التحرير، كريستيان ينسن، بالحكم القضائي، أو تسليمه باليد ذلك القرار، اعتبره الرجل وكأنه لم يكن، فليست للإدارة وفق قانون المطبوعات والنشر الدنماركي حق في منع نشر مواد، أو إعطاء أوامر لرئاسة التحرير في الصحف. اتخذ رئيس تحرير "بوليتيكن" في ذلك النهار قرارًا تجري محاكمته اليوم عليه، فكتب "إن بوليتيكن تتخذ اليوم خطوة غير اعتيادية، فعادة ما تحترم هذه الصحيفة أحكام النظام القضائي، لكن في هذه القضية تم ارتكاب خطأ ترتب عليه الكثير من الآثار... ولهذا ننشر كل الكتاب اليوم". هكذا، نشرت "بوليتيكن" الكتاب صباح الأحد 9 أكتوبر/تشرين الأول 2016، بعد أقل من 24 ساعة على حكم حظر النشر. تبرير صحيفة "بوليتيكن" لكسرها قرار الحظر عبّر عنه حرفياً رئيس تحريرها، ينسن، باعتباره "تدخلاً مباشراً في الحريات الأساسية وحرماناً لحق الجمهور والرأي العام لمباشرة نقاش عام حول قضايا ذات أولوية في المجتمع". ورغم استئناف الحكم من قبل الصحيفة إلا أن "محكمة الاستئناف الوطنية" (شرق) ثبّتت حكم الحظر، ووصلت القضية إلى المحكمة العليا في البلد، والتي أكدت على الحكم، مضيفةً ملاحظتها بأنه "يجب مستقبلاً أن يؤخذ "قانون مسؤوليات النشر" بالاعتبار، بحيث يوجه طلب الحظر إلى رئاسات التحرير وليس للناشرين". وتلك الملاحظة اعتبرتها "بوليتيكن" في مصلحتها، لكنها لم ترق لجهاز الاستخبارات الذي يتّهم اليوم من خلال مطلبه بمعاقبة الصحيفة ورئيس التحرير بـ"بث رسالة سلبية للصحافة"، على ما عقبت صحف كثيرة، وبينها "إنفارمسيون".




تسبب قرار بوليتيكن بنشر كتاب "7 سنوات في خدمة الاستخبارات الدنماركية"، ووصول الملحق لمئات آلاف القراء، وبينهم 120 ألف مشترك، بانهيار قرار الحظر، واتساع اطلاع الشعب على ذلك الكتاب ومحتوياته ومناقشته حتى يومنا. يصرّ جهاز الاستخبارات الدنماركي على تغريم الصحيفة بنحو مليوني يورو والحبس لرئيس تحريرها، وهي سابقة تثير جدلاً كبيرًا في بلد يعتبر حرية الصحافة من المقدسات، ما جعل الدنمارك، وصحافتها تحديدًا، تتصادم في أكثر من مناسبة مع العالم الخارجي وداخلياً، ومن أشهرها قضية الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد التي نشرتها "يولاندس بوستن" وتسببت بموجة تهديدات بالقتل لصحافييها ومقراتها ورسامي كاريكاتير ومحاورين دنماركيين وسويديين، بعضهم ما يزال يعيش بحماية نفس جهاز الاستخبارات الذي يلاحق اليوم رئيسه السابق والصحف، بحجة "تعريض أمن البلد القومي للخطر". انطلقت جلسات المحاكمة ضد "بوليتيكن" ورئيس تحريرها كريستيان ينسن، يوم الاثنين 12 نوفمبر/تشرين الثاني، ويتوقع صدور الحكم في يناير/كانون الأول المقبل، وهي محاكمة يراقبها الإعلام بشكل كثيف باعتبارها "محاكمة غير مسبوقة يخشى أن تتحول إلى قياس لأحكام قادمة ضد حرية النشر"، كما تعقد معظم وسائل الإعلام ما يشبه اتفاقاً برفض محاكمة الصحافة.​

ناصر السهيلي - العربي الجديد

ليست هناك تعليقات